الاثنين، 29 أغسطس 2011

ضد الطوفان (6)


مساء الثلاثاء 1 فبراير 2011

"إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها. ان هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية فيه عشت وحاربت من اجله ودافعت عن ارضه وسيادته ومصالحه وعلى ارضه اموت وسيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا او علينا".
انتهى رئيس الجمهورية من خطابه ، كانت الملايين في الميدان ينصتون إليه جيدا ،
 قال أحمد  : كدة حلو أوي يا جماعة .. مش هيرشح نفسه تاني .. ومش هيرشح ابنه .. وهيعمل تعديلات دستورية .. وحكومة جديدة .. نديلو فرصة أخيرة ، ست شهور ، والماية تكدب الغطاس ، ولو منفذش اللي وعد بيه .. ساعتها نرجع تاني ، وأهو الميدان موجود .
في حين رد عليه حسام : لو روّحنا هيقضّي الست شهور دول ف تأديبنا ع اللي عملناه ... صحيح بعدها الميدان هيكون موجود ، لكن احنا مش هنبأى موجودين ، هنبأى ورا السجون وف المعتقلات ، هيصطادونا واحد واحد من بيوتنا ... عشان يربونا .
تدخل مصطفى في الحوار قائلا : يا شباب احنا جينا هنا يوم 25 يناير عشان نعبّر عن رأينا ، ومحدش يحجر علينا ، اللي عايز يمشي يمشي ، واللي عايز يفضل يفضل ، فيه ناس هنا عايزانا نمشي ، قالوا علينا مندسين ، وهما اللي مندسين وسطنا ، كل واحد يحسبها مع نفسه ويقرر ، من غير ما يأثر ع اللي حواليه .
ـــــــــــــــــــــــــ
عصر الأربعاء 2 فبراير 2011

-         نعم لمبارك من اجل الاستقرار، نعم لرئيس السلم والسلام ... لو مبارك سابنا هنضيع
هكذا كانت العبارات على اللافتات التي يحملها عشرات الأشخاص في ميدان مصطفى محمود ، يتقدمهم مجموعة من نجوم الفن وكرة القدم ، شاهدهم متظاهري ميدان التحرير عبر شاشات التلفزيون ، قال حسام : والله حرام اللي بيحصل ده .
رد عليه مصطفى :  متلازمة ستوكهولم .
-ايه متلازمة ستوكهولم دي ؟
- دي حاجة كدة ف علم النفس ، بتتقال على الشخصيات اللي بيتعرضوا لظلم وتعذيب ، فبيخافوا من اللي بيظلموهم ، وبيحسوا إن أحسن طريقة عشان يتجنبوا أذاهم أنهم يرضوهم .. حاجة كدة زي القط يحب خنّاقه .
- شايف نجوم الفن ، اللي ياما عملوا أفلام عن الظلم اللي بنتعرض له ، أول ما الناس قامت بثورة ع الظلم ... وقفوا مع النظام .
- مش غريبة عليهم ... الفن والكورة طول عمرهم أدوات النظام عشان يلهوا الناس عن السياسة.
انقطع حديث حسام ومصطفى بالمشهد الذي أمامهم ، فقد هجمت مجموعة من ( الجـِمال ) ومن ورائها المئات ، قادمون ومعهم أجولة من الطوب وكسر الزجاج ، يلقون بها على المتظاهرين ، لم يقف المتظاهرون مكتوفي الأيدي ، كان لا بد من أن يدافعوا عن أنفسهم ، استمر الكر والفر بين متظاهري الميدان ، والمعتديين عليهم ، وقوات الجيش تشاهد الفريقان يتقاتلان ، فمرة تطلق أعيرة في الهواء ، ومرة تُدخل سيارة بين الفريقين ، والفريقان على ما هم عليه من القتال ، استمرت المعركة عدة ساعات من النهار ، ومع غروب الشمس ، اقتحمت مجموعات من الرجال بوابات العمارات المحيطة بالميدان ، وصعدوا إلي أسطحها ، وبدأوا يُلقون زجاجات المولوتوف على المتظاهرين . كان مصطفى يقف مع صديقه حسام يلقون الطوب على المعتديين على الميدان ، رأى مصطفى أحمد ، الذي كان قد غادر الميدان مساء الأمس ، لشعوره بأن ما قال له الرئيس كاف ، رآه يقذف الطوب معهم على المعتديين على الميدان ، ابتسم مصطفى قائلا له : نديلو فرصة أخيرة والماية تكدب الغطاس .. هاه ؟ نظر أحمد فوق رأسه قبل أن يجذب مصطفى بشدة نحوه قائلا : خلي بالك ، فسقطت زجاجة مولوتوف بجوار قدم مصطفى . استمرت قذائف المولوتوف حتى منتصف الليل ، وحينها بدأ الرصاص الحي ينصب على من بالميدان ، ووسائل الاعلام تنقل الأحداث بالصوت والصورة ، تحدث أحد المسئولين بالجيش إلي وسائل الاعلام قائلا : لن نتدخل .. فنحن على الحياد !
إن القاضي الذي هو مضرب المثل في الحياد ، يحكُم على المتهم المُدان لأنه بدأ بالاعتداء ، فوجب تأديبه والقصاص منه ، وذلك لا ينتقص من حيادية القاضي شيئا ، فالقاضي لا يعتذر عن النظر في الدعوى ليحتفظ بدوره الحيادي ، إنما يعتذر في حالة واحدة فقط ، وهي أن يكون على علاقة بأحد الطرفين ، علاقة وثيقة .. بالمجني عليه ...  أو بالجاني !
مع ساعات الفجر ، هدأت المعركة قليلا ، وبعد أن أدى مصطفى صلاة الفجر مع بعض المتظاهرين ، ظل جالسا في مكانه يردد بعض الأذكار ، وقع نظره حينها على تلك الصورة الفوتوغرافية المُعلـّقة على ارتفاع عدة أمطار من أرض الميدان ، كانت صورة فوتوغرافية للواء محمد البطران شهيد الشرطة ، رأى من ورائها السماء ،وعلى الرغم من أن القاهرة في هذا الوقت يسودها مناخ شتوي يُضفي على سمائها لون رمادي كريه ، كانت السماء صافية من الغيوم ، أطال مصطفى النظر إلي الصورة ، خُيّل إليه أنه يعرف هذا الرجل من قبل ، ربما قابله في مكان ما ، ولكنه لا يتذكر هذا المكان ، خُيل إليه أن اللواء في الصورة يبتسم له ، دعك عينيه جيدا ، وأعاد النظر إلي الصورة ، فوجده فعلا يبتسم ، وقتها  ... سمع صوتا في أذنه يقول له : متقلقوش ... محدش هيقدر يمس شعرة واحدة منكم .. طول مانا موجود .
يُتبع