الأربعاء، 24 أغسطس 2011

ضد الطوفان (5)



عصر الأحد 30 يناير 2011
كان مصطفى يقف بالميدان وسط ألاف المتظاهرين حينما بدأت طائرة عسكرية في الاقتراب منهم ، أخذت الطائرة تقطع الأجواء فوق روؤسهم ذهابا وايابا ، انقبضت صدور جُل من في الميدان ، ماذا تريد تلك الطائرة ؟ ماذا ستفعل ؟ ومن الذي أرسلها ؟ أمن المعقول أن الجيش سيقوم بضرب المتظاهرين ؟ ألم يعـِد أنه لن يفعل ؟ هل ضغط رئيس الجمهورية على رجال القوات المسلحة باعتباره القائد الأعلى لهم ؟ الطائرة تقترب وتدور ، ودقات القلب تزداد في الصدور ، حينها تذكر مصطفى ذلك المشهد السينيمائي الذي يشاهده كل عام في فيلم  " الرصاصة لا تزال في جيبي " عندما كانت الطائرة تطارد بطل الفيلم في الصحراء بعد نكسة 1967 ، لم يُرد قائد الطائرة في الفيلم أن يقتل البطل ، كان فقط يريد أن يُخيفه ويرعبه، ربما يقتله الخوف ، لم يطلق عليه أي رصاصة ، ولكنه أخذ يقطع الأجواء فوق رأسه ذهابا وايابا كما تفعل تلك الطائرة الآن .
وما المشكلة أن أموت ؟ هل أنا أفضل من الذين ماتوا ؟ هل أنا أكره أن أكون شهيدا ؟ أليس من خرج مدافعا عن أهله فهو شهيد ؟ ، فأنا أدافع عن أهلي ، ليس أدافع عنهم من شخص يريد قتلهم ، ولكنني أدافع عنهم من شخص قتلهم بالفعل وهم أحياء ، قتلهم بالفقر والمرض والجهل والذل ، أخذ الجميع يردد في صوت واحد " الشعب يريد اسقاط النظام .. الشعب يريد اسقاط النظام " ، وعلى احدى سماعات الصوت العملاقة الموجودة في الميدان انطلقت أغنية النشيد الوطني السابق لمصر : لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي .. إن رمى الدهر سهامه ألتقيها بفؤادي .. واسلمي في كل حين .
____________________________________
 مساء الثلاثاء 1 فبراير 2011
كان مقر الحزب الوطني قد أحرقه المتظاهرون في يوم الجمعة السابق ، ورغم ذلك لم يكن صعبا عليه أن يحصل على مكان آمن لعقد اجتماع طارئ بكبار رجال الحزب ، والذين جميعهم من كبار رجال الأعمال ، طلب أن يعقد الاجتماع في أحد مقار أمن الدولة ، وتمت الموافقة على طلبه ، فقد كانت هناك أوامر عليا  بعقد هذا الاجتماع في أسرع وقت ، امتلأت القاعة بنحو عشرين رجل وامرأتان ، جلس هو على قمة المائدة ، مبتدئا الجلسة بقوله :
-         جرى ايه يا بهوات ، احنا هنفضل قاعدين نتفرج على شوية العيال دول وهما بيولعوا البلد

ن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض علينا جميعا شعبا وقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار"

رد أحد الجالسين والسيجار في يده : دول شوية عيال مش فاهمين حاجة والاخوان وأحزاب المعارضة مقويين قلبهم .

" تحولت تلك التظاهرات من مظهر راق ومتحضر لممارسة حرية الرأي والتعبير الى مواجهات مؤسفة تُحرِّكها وتُهيمن عليها قوى سياسية سعت الى التصعيد وصب الزيت على النار واستهدفت أمن الوطن واستقراره "

قالت إحدى السيدتين الجالستين : أنا مش فاهمة هما عايزين ايه تاني ؟! الحكومة وأستقالت ، جمال مبارك واستقال م الحزب ، والريس عيّن عمر سليمان نايب له.

"إن مسئوليتي الأولى الآن هي استعادة أمن واستقرار الوطن لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في أجواء تحمي مصر والمصريين"

قال رجل آخر : ده غير الدعوة للحوار اللي عاملها عمر سليمان بتكليف من الريس

"وبالنظر لهذا الرفض لدعوتي للحوار .. وهي دعوة لا تزال قائمة .. فانني اتوجه بحديثي اليوم مباشرة لابناء الشعب .. بفلاحيه وعماله .. مسلميه واقباطه .. شيوخه وشبابه .. ولكل مصري ومصرية .. في ريف الوطن ومدنه على اتساع ارضه ومحافظاته"

رد أحد الجالسين على سؤال السيدة : قال ايه .. عايزين الريس يمشي زي ما حصل ف تونس ، مع إن ده استحالة يحصل ، مصر عمرها ما كانت ولا هتكون زي تونس

"واقول بكل صدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن أنني لم اكن انتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة فقد قضيت ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها"

تدخّل هو على الفور قائلا : سيبكوا من الكلام ده كله دلوقتي .. لا هيقدّم ولا هيأخر .. العيال اللي ف الميدان دول بيكتسبوا قوتهم من حاجة واحدة .. هي وجودهم في الميدان .. والشرطة مقدرتش عليهم ، والجيش لما نزل مخوِّفهومش ... يبقى ايه الحل ؟
رد البعض ورائه كالبغبغاءات : ايه الحل ؟ .. ايه الحل ؟
قال هو : العالم كله شايف ملايين بتعارض ، يبأى لازم يشوف ملايين بتأيّد ، ولازم العيال دي تمشي من الميدان ، إذا كانت لا الشرطة ولا الجيش قدروا يمشوّهم ، يبأى نحاربهم بسلاحهم .. الناس ، نجيبلهم ناس .. تمشّيهم م الميدان .
قال الذي في يده السيجار : والناس دي هنجيبها منين ؟ هنشتريها ؟
فردَّ فائلا : وفيها ايه لما نشتريها يا (ابراهيم بيه) ، احنا بنشتري أرواحنا ومصالحنا اللي بتضيع.
خرجت السيدة الأخرى عن صمتها قائلة : ميدان التحرير فيه فوق المليون شخص ، وعشان خطتنا تنجح لازم نعمل حاجة تخلي العدد ده يقل شوية ، وعدد اللي هيهجموا ع التحرير يزيد ، لازم تحصل حاجة كبيرة نكون متأكدين إن بيها ... هنكسب عطف الناس .

"إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها. ان هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية فيه عشت وحاربت من اجله ودافعت عن ارضه وسيادته ومصالحه وعلى ارضه اموت وسيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا او علينا".
يُتبع