الأحد، 14 أغسطس 2011

ضد الطوفان (4)

ليل الجمعة 28 يناير 2011
كانت دبابات الجيش قد وصلت إلي ميدان التحرير ، واحتفى بها كل من في الميدان ، صعدوا فوقها رافعين أعلام مصر ، مرددين شعارا واحدا : " الجيش والشعب .. ايد واحدة " كان من بين الموجودين في ميدان التحرير ..(مصطفى) ، وهو شاب في العشرينات من عمره ، رنّ هاتف المحمول الخاص به ، كان المتصل هو صديقه وجاره (مايكل) 
مصطفى : ايه يا مايكل .. فينك ؟
مايكل : أنا عند البيت ، سمعت أخر الأخبار ؟
-          خير
-          بيقولوا فيه مفتش مباحث في الفيوم اتقتل ، وفيه مساجين كتير هربوا ، وبيحذروا الناس ، ويقولوا لهم ارجعوا بيوتكم حافظوا على ممتلكاتكم
-          وانت بتاكل من الكلام ده يا معلم ، دي حركات عشان الناس تسيب الميدان
-          مانا فاهم ، بس الحرص واجب برضو ، البلد ماعدش فيها شرطة ، والجيش ميعرفش يتعامل ، تخيل .. ظابط الجيش معدي علينا وهو راكب الدبابة ، يقول لنا لو فيه حرامي ابقوا امسكوه وبعدين اتصلوا بيا عشان آجي أخده
-          إنت كدة قلقتني ، أمي وأختي لوحدهم ف البيت
-          ماتقلقش يا ريس ، احنا هنا عاملين لجنة شعبية ، وسهرانين انهاردة لحد الصبح ف الشارع .. نحمي المنطقة .. خليك إنت ف الميدان ، مش لازم حد يروّح م الميدان
-          والله الواحد مش عارف يقول لك ايه يا مايكل ، يعني بالنهار تحمينا واحنا بنصلي من الشرطة ، وبالليل تحمي بيوتنا من الحرامية
-          متقولش حاجة يا درش .. احنا واحد
صمت مايكل قليلا قبل أن يقول مندهشا : ايه ده ؟
مصطفى : فيه ايه ؟
مايكل : شريط ع التلفزيون بيقول : عاجل .. مبارك يلقي خطابا بعد قليل
مصطفى : معقول ؟ ... أخيرا
مايكل : لما نشوف هيقول ايه
 ـــــــــــــــــــ
-          " لقد طلبت من الحكومة التقدم باستقالتها اليوم ، وسوف أكلف الحكومة الجديدة اعتبارا من الغد بتكليفات واضحة ومحددة للتعامل الحاسم مع أولويات المرحلة الراهنة . وأقول من جديد أنني لن أتهاون في اتخاذ أية قرارات لتحفظ لكل مصري ومصرية أمنهم وأمانهم ، وسوف أدافع عن أمن مصر واستقرارها وأمان شعبها ، فتلك هي المسئولية والأمانة التي أقسمت يمينا أمام الله والوطن بالمحافظة عليها . حفظ الله مصر وشعبها وسدد على الطريق خطانا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته "

كان رئيس الوزراء يرتدي بيجامة رمادية اللون يجلس وحيدا في غرفة مكتبه بمنزله ، عندما أغلق جهاز التلفزيون الذي أمامه ، بعد أن استمع إلي خطاب رئيس الجمهورية ، واعلان خبر اقالة حكومته .. مرت أحداث حياته أمام عينيه وكأنها شريط سينيمائي ، منذ أن تخرج من كلية الهندسة في العام 1973 ، وحصل على ماجيستير تكنولوجيا الاتصالات من جامعة كندا في 1983 ، وعمل بعدها مدرسا ثم أستاذا بكلية الهندسة ، ومديرا تنفيذيا ثم نائبا لرئيس المجلس الاستشاري بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ، ومن خلال هذا المركز استطاع أن يخطط وينفذ عدة مشروعات للدولة من أهمها مشروع الرقم القومي وانشاء شبكة الانترنت في مصر ، مما جعله أول وزير للاتصالات في مصر ، وبعدها رئيسا للوزراء ، فكلا المشروعين قد أعجب رئيس الجمهورية ، فالرقم القومي يـُمكّن الأجهزة الأمنية من احكام القبضة الحديدية على البلاد ، وشبكة الانترنت تساهم في المجال الاقتصادي عن طريق تحويل أموال المصريين العاملين بالخارج إلي الداخل ، وتحويل أموال المصريين العاملين وغير العاملين بالداخل إلي الخارج .
ما زال يتذكر اليوم الذي كلّفه فيه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة ، وكيف أمره بأن هناك وزارات سيادية تخرج عن نطاق عمله كرئيس للوزراء ، منها وزارة الداخلية .
ما زال يتذكر أخر حديث جرى بينه وبين وزير الداخلية ،عندما كان الوزير يأمره بالاتفاق مع شركات المحمول والانترنت بقطع الخدمة ، ما زالت جملته الأخيرة ترن في أذنه .. "انت فاكر  يعني قرار زي ده أنا ممكن أخده من دماغي .. ده كان الريّس يطير فيها رقبتي" .
شعورا ما بداخله كان يخبره بأن هذا الوزير لن يستمر في منصبه بعد الأحداث التي تعرضت لها البلاد اليوم ، وأن رقبة هذا الوزير ربما تطير من على دماغه فعلا ، ليس لأي شئ سوى ... لأنه لم يستطع تنفيذ الخطة كما رُسمت له .
يُتبع